فريق دفن الجثث المجهولة

11913395_517177861768383_571331139_n

نشرت سابقا على المدونات العربية – المدونات الليبية

حيثما يشتعل سعير الحرب تشتعل النيران وتترامى الجثث فى اطراف المدينة اجتمعوا شباب متطوعين يجمعهم منديل كشفى وعهد وشريعة وإيدى تمتد للمساعدة بصمت لبوا النداء تطوعا لمدينة يعشقونها فوجدوا انفسهم بين ثلاجة موتى مكتظة بجثث مجهولة الهوية اصروا على دفنها رغما عن نار القذائف .

بداية المشوار…

فى بنغازى الموتى هم ضريبة الحرب مناطق النزاع والاشتباكات المسلحة لم يستطيع انتشال الجثث من تلك المناطق الا شباب الهلال الأحمر الليبى يخرجون تباعا بجثث مجهولة الهوية ، لا مكان فى المدينة يستقبلهم الا ثلاجة مستشفى بنغازى الطبي الحرب فى اوجها بين الطرفين والجثث امتلاءت بها ممرات العبور بين الأقسام ومن بينها جثث متحللة تفوح روائحها الكريهة بين الامكان قرروا أخذ الاذن وإبلاغ ادارة المستشفى والبدء فورا فى خطة عمل منظمة لدفن أكوام الجثث المجهولة .

 

خطوات العمل …

يحدثنى القائد الكشفي  نور الدين مخلوف إحدى الشباب المتطوعين  بأن العمل لم يكن سهلا كما توقعوه ولكن العزيمة كانت بوصلة العمل فقد قاموا بحصر كل مجموعة على حده ثم قاموا بمساعدة الطب الشرعي  بأخذ عينات DNA وتصوير كامل لكل ماهو موجود مع الجثة المجهولة مثل حذاء ساعة سلسلة خاتم حزام اى نوع بلاتين فى الأطراف أو فى الأسنان ثم غسل الجثة غسل شرعى اسلامى وتكفينها ومنحها رقم فى القائمة هى وكل المستلزمات التى بحوزتها بنفس الرقم وتحفظ كل البيانات فى ملف خاص يسجل فيه تاريخ انتشالها المكان الذى وجدت فيه لون العيون كثافة الشعر اضافة الى نشر الصور على لوحة المفقودين لتسهيل البحث على ذويهم حتى مرحلة الدفن ، والتى كانت بعمل الفريق الكشفى المتطوع الى جانب موظفين تابعين للمستشفى وبعضا من أهل الخير فى المدينة الذين رغبوا فى المساعدة بحمل النعوش معهم ، حيث تم دفن مايقارب من مئة وخمسة وعشرون جثة فى الفترة الواقعة مابين الرابع من شهر اغسطس 2014 الى أول  شهر سبتمبر من نفس العام  وتمت عملية الدفن على مراحل أول مجموعة تم دفنها كان عددها اربعون  تليها المجموعة الثانية عددها ثلاثون جثة والمجموعة الثالثة وعددها خمسة وعشرون جثة والمجموعة الرابعة عشرون جثة والأخيرة كانت عشر جثث مجهولة.

تلاها فترة أخرى كانت اصعب  وأدق فى الدفن والواقعة مابين السابع عشر من شهر اكتوبر 2014 الى الخامس من شهر ابريل 2015 – ولكنهم تعاهدوا على الا يتراجعوا حتى تحظى كل الجثث بدفن اسلامى يليق بالأخ المسلم وهم يعلمون انهم مجهولون وغائبة كل تفاصيلهم عن الجميع ، فى المرحلة الثانية كانت أغلب الجثث التى تم انتشالها من قبل الهلال الأحمر فى تلك الفترة هى من مناطق الصفصفة – عمارات الشركة الصينية – القرية السياحية – قاريونس – طريق النهر – الصابري الى جانب جثث متحللة من بالقرب من جهة البحر ، وكانت طريقة القتل فيها عبارة عن تصفية بإطلاق رصاصة فى الصدر أو الراس أو القلب.

تم التنسيق مع الشيخ المسؤول على مقابر منطقة بودزيرة فى اطراف مدينة بنغازى والذى اخبرهم بدوره بأن هناك شباب متطوعين لتجهيز وحفر القبور ، دفنت جثث المرحلة الثانية مابين شهرى فبراير و ابرايل 2015 أول دفعة  كانت اربعين جثة مجهولة ، الدفعة الثانية عشرين جثة مجهولة ، الدفعة الثالثة عشرين جثة مجهولة ، والرابعة كانت اربعة عشر جثة مجهولة الهوية ،  حيث تولى النقل من المستشفى الى المقبرة شبيبة الهلال الأحمر.

ويستطرد القائد نور الدين مخلوف ليحدثنا عن الصعوبات والعراقيل التى واجهتهم فقد مرت بهم الكثير من الصعوبات التى لم تثنيهم عن عملهم التطوعي اهمها على الإطلاق عدم وجود تصريح كشفي لقادة الكشافة يوضح سبب مرورهم من الاستيقافات التى كانت تعترضهم فى مداخل وبين احياء المدينة فقد طالبوا به فى شهر اغسطس 2014 ولم  يتم الحصول عليه موقع ومختوم رسمي من قيادة مايسمى بالأزمة فى مفوضية كشاف بنغازى الا فى نوفمبر 2014  ، حيث وفر هذا التصريح الكثير من المشاكل التى تعترضهم ، فقد حصل كل متطوع على  تصريح خاص به يحتوى على الاسم ورقم البطاقة الشخصية .

ايضا كانت من بين المشاكل عدم وجود لباس خاص بالفريق ، اذا ان من الخطورة انذاك ارتداء اللباس الكشفي خوفا من المرور على مناطق اشتباكات مثل بوعطنى وغيرها ، قضية اللباس كانت مهمة لانه هناك اهالى مفقود منهارين يبحثوا عن ابناءهم وسط الجثث المكتظة الأمر يتطلب لباس للتعريف بأنفسنا حتى لا ندخل فى صدام معهم ، الى جانب نقص المستلزمات التى نحتاجها لاستكمال العمل فثمة ادوات كانت تدفع  من مالهم الخاص مثل الكمامات والقفازات الطبية وغيرها ، الى جانب تخاذل بعض المسئولين عن دعمهم فى فترة كان عملهم يحتاج لدعمهم بقوة.

ابطال وراء ثلاجة الموتى …

شباب متطوعين لم يبالوا بما يمكن ان يتعرضوا له من كمية الميكروبات التى نقلتها الجثث بعد تحللها ، العزم والإصرار على تقديم العون والمساعدة كان هو الهدف فنجحوا وفعلوا مالم تفعله منظمات وحكومات ودول – الكشافة مافأتت بهمة شبابها ان تثبت ان ثقافة التطوع هى من ينهض بالمجتمعات للوصول الى توازن وتوعية بعيدا عن ايدى وعقول لاتعرف الا نهب وسرقة الوطن .

لكم كل التحايا للتاريخ حتى لايعتلى المتسلقين سدة عملكم القيم وينسبوه لأنفسهم بحجة الوطنية  علاء الدين مخلوف  –  محمد الساحلي  –  ايهاب كانون  –  محمد زواوة  – المعتصم بالله العوكلي  –  مالك الفلاح  – محمد بن كاطو –  صهيب الزائدي –  نورالدين مخلوف – قادة الهلال الأحمر منير الغرابي وأحمد الشيخى وجبريل السعيطى .

عمل تطوعى جبار كان كافيا ليحذو قادة كشاف مدينة درنة نفس حذوهم بمشاركة مع الهلال الأحمر لدفن الجثث  المكتظة فى مستشفى المدينة ونقلها ودفنها فى ضواحى المدينة – هذه الأعمال الجليلة القيمة نجدها لدى الدول المتقدمة اعمال دولة وحكومات ووزارات وليس متطوعين لم يعيشوا تجربة الحرب من قبل ، وهل يستوى من تسمو نفسه لتقديم العمل الانسانى بمن لا يعمل الا على بث سموم التفرقة والفتن والشتات.