جرف النباتات المستوطنة واستبدالها بكوم الأسمنت

%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%ac-%d8%b1%d8%b9%d8%a7%d9%8a%d8%a9

ليبيا بلد حباها الله بطبيعة خلاقة مابين البحر والجبال اهزوجة جمال تتراقص من الروعة وساحل يمتد ب1770 كيلو متر (1100 ميل ) مناخها المتوسطي المعتدل وتناغم تضاريسها والتنوع الذى تمتاز به كل مدينة من مدنها يزيدها ثراء ، الغطاء النباتى الطبيعي على طول الساحل الليبي موزع بقدرة ربانية مابين الإقليم الشرقي والغربي ، وبالمقابل الإقليم الجنوبي ثروة منتشرة مابين امتداد الصحراء وحتى جبال أكاكوس جنوب ليبيا ، لكل منهم نباتات مستوطنة لها حكايات واستعمالات منذ قدم التاريخ ومتداولة فى الذاكرة الشعبية.

القطف الجائر …

منطقة الجبل الأخضر الواقعة شرق ليبيا من المناطق الغنية بالنباتات العطرية والطبية والتى لها عدة استخدامات علاجية فى الطب الشعبي ، واستفاد الكثيرين فى السنوات الاخيرة بتحويل هذه الثروة الطبيعية الى مشاريع تجارية وهى مايعرف (بالعّطارة) تباع تلك النباتات مجففة بعد أن يتم (حشها) وجمعها ونزعها من التربة فى اوج ظهورها خاصة تلك الأنواع التى تجمع فى وقت الإزهار او التى تُجمع بذورها ويعتمد تكاثرها على البذور مما يعرضها الى الانقراض فى ظل مؤشرات قليلة جدا إن لم تكن معدومة لفرصة التجديد الطبيعي لتلك الانواع المستهدفة.

الشماري وجدي البطوم ثروة طبيعية…

ومن ذا الذى لايرغب بتذوقهما (شماري وبطوم )؟ نباتات جميلة الشكل ثمار لذيذة الطعم ،هل يمكن ان تصدق أن عسل الشماري مايسمي (عسل الحنّون) أغلي سعرا من برميل النفط فى ليبيا الذى يتقاتل عليه لصوص الوطن فقد وصل سعر برميل النفط 50 دولار بينما عسل الشماري وصل سعره 70 دولار له فوائد طبية لاتعد ولا تحصي ، استدل فى وصفهما عشاقه وحملت صفاته حكايات الجدات ، الشماري النبتة المستوطنة فى تلك المساحات التى تستهلك بشراهة وتجرفها الأيدي بلا رحمة مهددة هى تلك الثمرة اللذيذة فى حين أنها يمكن ان تكون ناتج وطني اضافي للدخل القومي .

أشجار البطوم تنبت على سفوح الجبل وهى وفروعها غذاء جيد للمواشي  فشعبيا جدى البطوم (نوع من المواشي) طعمه وفائدته الصحية افضلها على الإطلاق محبب ومرغوب أكله مقارنة بالمواشي الأخرى التى تحتوى على كمية دهون كبيرة مضرة صحيا.

النباتات تنقرض…

لو تصفحنا التاريخ وتمعنا فى الرسومات التى تعاقبت عليها الحضارات القديمة التى مرت بتلك المناطق لوجدنا صورا لنبات السلفيوم على العملة المعدنية وطوابع البريد – اثبت التاريخ انه كان يصدر من الاقليم الشرقي (برقة) الى روما واليونان ،وذكره العالم ابن سينا بأنه ثروة تعادل الذهب لأهميته واستعمالاته الغنية اليوم لايوجد له آثر على الرقعة النباتية فى ليبيا فقد انقرض تماما وهذا مايثبت لنا ان النباتات الطبيعية معرضة لانقراض قادم لامحالة ، زيادة علي جرف الغطاء النباتي واستبدله بكوم أسمنت تعاني بعض تلك القري القريبة من سفوح الجبل من فقر وبطالة فى ظل انعدام ثقافة الاستثمار من كل الثروة المحيطة بتلك المناطق وغياب القروض التى تدعم مشروعات صغري يمكن ان تتسنى للكثيرين من اقامة مشروع لتجفيف الفواكه او حفظ الالبان ومشتاقتها الغنية بها تلك المنطقة (اللّبن والزبدة الوطنية والعسل الطبيعي والنباتات العطرية ) وغيرها فيضطر سكان تلك المناطق ببناء محلات او بيوت صغيرة لغرض استعمالها للإيجار او لحل ازمة السكن المستقل لمن يرغبون فى الزواج بسبب افتقار تلك المناطق لأي مشروعات سكنية استثمارية وخدمية  فالمساحات الخضراء فى الجبل الاخضر بدأت بالتضاؤل فهي براح يتهافت عليه صناع (الفحم)  الذى يستوجب قطع مساحات كبيرة من الأشجار وهذه نقطة خطر وجب الانتباه اليها قبل حلول كارثة مخلفة اثار بيئية خطيرة . 

حلول بين السطور…

الشجرة ثروة أن لم يصل مستوي الوعي الى ابعد من الحرب فلن يجد من يأتون بعدنا غطاء نباتي طبيعي مستوطن ، فهل ثمة صافرة نداء ترتفع الى دولة يتناحر فيها الساسة على الكراسي وحكومات تتعاقب بلا فائدة تذكر تدعم المحميات الطبيعية ونداء الى منضمات المجتمع المدني للالتفات الى الشجرة ودورها فى استمرار الحياة ، الشجرة عائد وطني يشدنا الى الجذور فلاتجعلوها تغادرنا كما غادرنا الآخرون .

سبق نشرها على صفحات صحيفة السفير العربي