لك ياطارق السلام

13567524_1059314840791167_3549174738038265110_n

لك ياطارق السلام

لم يخلق الله الانسان فى هذه الحياة اعتباطا ، وإنما لتكون لنا عبرة وقدوة أعمالٍ نراها فى واقع الحياة ، عاثر الحياة وعاشها بشجاعة طارق السعيطي أسم مرتبط بتفكيك الغام الحرب ، كل تلك المتفجرات التى تُركت من قبل الأرهابيين فى مناطق وزوايا بنغازي ، كانت يد طارق تسبق خطوات الساكنين تنزع الشر وتزرع الفرح بعودتهم إلي اماكنهم ، النزوح يشبه نزع الروح ، طارق كان نبراس أمل كلما حرر الجيش منطقة مزروعة بالألغام كان سباقا لتأمينها بأصرار، فى ذلك المساء الحزين غادرنا طارق حين أنفجر فيه لغم فى محور الصابري.
طارق من مواليد 1976 متزوج وله ابنتان ، التحق بعد وفاة والده الذى كان يعمل شرطيا بنفس العمل ولكن فى قسم التقفي بالكلاب البوليسية تم ابتعاثه للخارج من مجموعة من رفاقه لدورة تدريبية وفى ثورة فبراير مكث فترة فى مدينة الزنتان مع فريق لتفكيك الألغام وفى حرب الكرامة فى بنغازي كان ضمن أكفاء واشجع من فككوا الألغام مع كتيبة صنف الهندسة العسكرية.
ستظل صورة طارق وأبتسامته ودراجته النارية وأعماله تفاصيلها فى ذاكرة الليبين يتحدثون عنها عندما يذكرون عام النزوح والحرب وطرقات الألغام ، ويبقي حقد المتطرفين فى ركن أسود مظلم لن يري النور ، لروحك ياطارق مليون سلام ترفرف فوقها ألف حمامة بيضاء وغصن زيتون.

رسائلي – لكَ – للوطن

163f056ee809c5a3318a3a92e6f55988

رسائلي – لكَ – للوطن

 غمرهم المكان بثقلٍ ، بخطوات تشدّهم إليها كلّما وجد تجمّعاً كان يركض نحوه ، يلهث دون تفكير ، صمّ آذانه عن سماع ما يدور ، ساعد على حفر حفرة بالقرب من طريق غير مرصوفة كانت تُزيّن بورود الزّينة وسبارة الأوليفرا ، نثرتها رياح يناير فسقط فيها ، وذهب المارّة من الطريق الأخرى ، أخبر جموع الصّابرين المكتظّة بهم طوابير البؤس ، إنّ ثمّة عائد يداه مصبوغة بالدّم ، جلس وحيداً بين الرّكام يبحث عن رغيفِ خبزٍ ، وطريقٍ لسورِ المدرسة ، يجترّ روح غائرة بالجراح ، يشتاق فيها لحضن أمّه وقبلة حبيبته . ذات صباح حمل السّلاح وارتدى حذاءه بلا خيط ،وذهب شارد الذّهن، تجاوز البوابة وترجّل من الباب الخلفيّ يرافقه صديق عمره ، أخرج هاتفه من جيبه ، واتّصل بها كانا يجمعهما عمل تحت مضخة الحرب ، ( طمنّي عنّك ) انساب صوتها لمسمعه – بغصّةٍ – أجاب: سأذهب وربّما هذه المرة لن ارجع ؟! سأترك لكِ وصيّتي مع صديقي ، ردّت بقهقهة اعتادها ؛ لكثرة ما كان يُزيّن لها مقالب مضحكة مبهجة ، سأبكيك وأوزّع قطع الشكولاتة الفاخرة وأرجوانية الّلون ، ردّد ومكرّراً بهمسٍ موجع ، ساترك لك وصيّة وانتهت المكالمة . اشتعل فتيل الحرب ،وتساقطت القذائف وحُملت النّعوش وكان بينهم ، وخبر الوصيّة في الطّريق إليها، فهي المكوّن الوحيد الذي يأتيك على عجلٍ ، في طريق شبه مُعبّد تحت القذائف ، أيقضها الهاتف في عجل الحروف مازالت سجينة في جعبتها ، خافت أن تبوح بتفاصيله ، قُصاصة كُتبت على عجلٍ ،وهاتف نقّال نوع سامسونج ،شاهد على وصيّة تبعثرت مابين بوابة المدينة وطريق المطار ، ” كلّ ما أردتُ قوله لكِ ستجدينه في رسائل ” بيدٍ مرتعشة فتحت أوّل مسج مسجل ، أحببُتكِ دون علمكِ كلّما اقتربتّ منكِ تستوقفني تلك السّنوات الفارقة مابين عمركِ وعمري ، انسحب وألوذ بالصّمت ، أحببتكِ ولن يعشقكِ رجلٌ مثلي . في مدينتي تلتف أجساد الرّجال بالأكفان ، متّشحين بعضهم ببياض وبعضهم بعلم الاستقلال ، والآخرين بقطعةٍ سوداء دخيلة ، يُدفنون في حكم النّسيان تحت التّراب ، أخبري القادمين خلفي أنّ قلبي كان ينتفض خوفاً من ضياع الوطن . لن يُضئ جبينه بنجمة بيضاء وهو يمارس الفاحشة ، في بيع الوطن على طاولة حوارٍ منهوبة ، رسالةٌ أخرى حين زارني الحلم المُنمّق بالرّغبة ، ووصلتُ لذروة النّشوة ، استيقظتّ فوجدتُ الّلصوص قد سرقوا رغيف الخبزِ ، وأحرقوا كتب المدرسة ، وأغلقوا بوابة الجامعة ، فارتطمت أحلامي على صخرةٍ صمّاء. لا تغركِ قائمة أصدقائي الطويلة التي تحملها ذاكرة الهاتف ، جُلّهم مابين مهاجرٍ ومفقودٍ وشهيدٍ وعاطلٍ عن العمل ، ينام نهاراً وليلاً يحمل بندقيّة فارغة ويسكب ما تبقى من سوائل فوق أسلاك الهاتف، لترتعد أوصالها ، فالكهرباء في حالة انقطاع ، لدورتها اليوميّة والأنترنت يحتضر بعد تجاوزه نقطة اليأس . احتضنكِ كلّ ليلة بفستانٍ أحمر جميل يليق بمفاتنكِ البهيّة فى الخفاء ، ما كنتُ استطيع حملك بفستانِ أبيض ، فالعُرف الاجتماعي في وطني لن يسمح أن أحَمل في كتيّب العائلة زوجة بفارق توقيتٍ زمنيّ ، الارتباط بحبيبية تكبر الرّجل سنّاً جريمة ، بعيداً عن تلصصهم وغصباً عنهم خطفتكِ وغيّرتُ بكٍ دوران عقارب الساعة. أوصيتُ صديقي بأن يحمل لكِ باقةً من ورد التّوليب الأبيض كلّما دخل شهر فبراير ، شهرٌ يهطل بذكرى عيد ميلادكِ ، بنهاية الشّتاء ، بثورةٍ سرقها الّلصوص ، بمقابرٍ وشهداء ، بدموعِ أيتامٍ ، وأراملٍ أنهك قلوبهم الفقد والعوز . في خضمّ انشغالك بالعمل كنتُ أمدّ يدي إلى حقيبتكِ واسكب عطركِ على قميصٍ يرافقني ، وبين وسائدي يخفّف عنّي وحشة النّزوح ، وخطوات شوارع المدينة الدافئة ، والنّوارس البيضاء تحوم فوق مراكب الشّوق ، وهي تغرق تحت القذائف. حين ينضب وقود سيارته من جرّاء حريق الخزّانات ، يستجديني صديقي باسمكٍ إذا رغب في استعارة سيّارتي ، أنتِ نقطةُ ضعفيٍ، هنا مكانكِ بين أضلع القلب، وزاويا في الرّوح لا يتوقّف هطولها ، وفي آخر القائمة ، توقفت وسقطت دموع حارّة ممزوجة بعبرة الوجع ، آلم وغصّة ترافقها مابين رسالة وأخرى ، ليت المقابر قريبة ، إنّها هناك ، سأبحث عن قبره بين المدافن المكتظّة، وأكتب عليه خسارة كان رجلاً ، لقد أودت به رصاصة .
قصّة تحت الحرب حكاية لشهيد 2015 .

غصة ذات قذيفة

 

cb185530dd3a381b68d099afca968a3b

من قال: ان الدمار فيها لايذكر؟ أحباء تركوا كراسيهم فارغة الا من صورهم اهاليهم ينتظرون نجاحهم ففوجعوا بتوابيتهم ، من سيعوض الأروح المثقلة بالهموم عن استنشاق نسمة بحر الشابي وانتظار ضوء المنارة ومراكب البنكينه ، فى صباح عابق ببخور الجيران ممزوج برائحة  الخبزة الحلوزى والسفنز، منطقة الزريريعية تلك  البقعة التى يهيمن عليها النخيل الباسق واناس طيبون ، أين تلك الأيدي التى تمتد لليثي وبيوت ضمت عديد الآسر بين حوائطها فى ود ومحبة، سويت أرضا دونما التفافه رحمة ،  من سيحاسب كل تلك الأسماء المدرجة ،فى ذاكرة سكان الحي وهم يحملون علم تنظيمٍ متطرف مُعتَنقّين أفَكارهم.

 تعثرت خطوات تلك الأم الحنونة فى العودة ،وهى تنادي جارتها من تحت  عتبة الباب ،لتذوق طبقا اعدته بحب ، ساحة الملعب تعج كل ليلة بسكان الحي ترافقها نسمة صيفية ، وهم يتابعون مباريات دوريات الكرة ، وحكايات وسهاري ، نار وكانون وحطب وبراد شاهي طاسة بعد طاسة ، من يد الجار الطيب ، يتذوقها كل من يمرون بذلك المربع الذى تفتح فيه عشرات الأبواب لعائلات لهم صلة دم فى كل مدن ليبيا.

وكيف ستخلو ملامح المساء الهادئة من خطوات احذية باذخة الاناقة وهى تخطو مابين ميدان البلدية والسقرسيونى نزولا الى فياتورينو ، مع وقفة سريعة لتناول بوريك النحلة الشهي العريق ، ليكتمل المشوار حتى ميدان الشجرة.

تعريجات لاتخلو منها جلاوى وأزقة سوق الحشيش روح البلاد وسوق الجريد وسوق بوغولة وجامع تفاحه وبن عيسي وجامع عصمان وبن كاطو وعجاج البخور والمسك الدرناوى وقهوة الحبهان ورداء حرير اصلي وقطعة وتكليلة ورشقة البوقال وسوار ودملج وجرد ابيض لايشبه الا  بياض نفوسهم وقد غمرها الملح تطلب التعافي .

مايو2014

المدوّنة والتّدوين

7bfbdcfaecc3bd7d117186252adb9b06

التّدوين يشبه الرّكض ؛ فيمكن أنْ تكتب وتنشر كلّ ما ترغبه على هذا الفضاء الإلكتروني دون قيود ، التّدوين فى ليبيا بداءً مع بداية توسيع رقعة النت ، حيث أصبح بمتناول الكثيرين ؛ إذ يعبرون عمّا يجول في خواطرهم ؛ رفضاً واستنكاراً فقبولاً وحماساً إيجاباً وسلباً. التّدوين في ليبيا يغلب عليه الطّابع الاجتماعيّ ؛ بسبب طبيعة النّظام السّابق المستبدّة في ذلك الوقت ، التي يصعب من خلالها التعبير عن الظّلم والانتهاكات التي تحدث في الدّاخل ، فعلى سبيل المثال التّعذيب في السّجون ، والاغتيالات والفساد الإداريّ … الخ بينما كان الهامش أوسع لمدونيّ المهجر، فالفضاء واسع للتّعبير والتّدوين بحريّة . بداياتي في التّدوين قبل الثّورة بداية خجولة ، بعدها انطلقتُ مع مشروع مدوّنات ليبية ، وهو منصّة جمعت مدوّنين شباب من كلّ مدن ليبيا ؛ لتكن بعدها المحطّة الأهمّ ، حين تمّ اختياري من بين مئة وخمسون مدوّن عربيّ من كلّ دول العالم العربيّ على منصّة مدوّنات عربيّة ؛ لتنطلق بعدها مدوناتي عبر مواقع عالميّة ، وبعض الصّحف العربية . أحببتُ أنء أنقل بالكتابة صور لمواقف مررتُ بها ؛ وأحداث لأسلّط عليها بعض من الضّوء ، ربما ينتبه لها بعض المهتمّين ، فقد كنتُ أتمرّد وأستاء من التّجاوزات في الشّارع ، وداخل المحيط الذي أتحرّك فيه ، لذلك كنت أجد الكتابة مُتنفّساً لما أحاول أن أنقله بصوتٍ مسموع . التدوين : فتح لي أفق واسع من الاطّلاع على كثيرٍ من مُجريات الأمور ، خصوصاً بعد الثّورة ، والحراك السّياسي ، والانتقال الدّيمقراطي ، والحرب والصّراعات المسلّحة ، وتأثير نبض الشّارع في خِضمّ هذا الصّراع الجديد الذي يعيشه المواطن الّليبي ، فتقبّل كلّ هذه التّغيّرات لم يكن بالأمر الهيّن ، كما فتح لي التّدوين فرصةً لاتّساع رقعة علاقاتي الاجتماعيّة ؛ ليتسنى لي التّحرك بحريّة ؛ للبحث عن صحّة الخبر ومصداقيّته ، والوقوف على الحدث ، والإلمام بكافّة تفاصيله . هذا أهداني مساحةً من البراح للتّفكير بهدوء والاستماع لكلّ الآراء بحياد ، لذا أنا فخورةٌ دائماً ؛ لكوني مستقلّة لم أنتمي إلى تكتّل ،ولا حزب ، ولم يجرفني اتّجاه أو تيّار خارج عن مسار الوطن ، وببساطة أؤمن بأنّ كلّ الأقنعة تسقط ولن يبقى إلّا الوطن .