تعاقبت على ليبيا حضارات عدة عبر التاريخ غدامس أو لؤلوة الصحراء كما يطلق عليها هى مدينة من بين تلك المدن التى ينطق التاريخ بين حوائطها العتيقة فقد اعتبرتها منظمة اليونسكو العالمية من ضمن اقدم المدن تاريخيا فى العالم وتعتبر من التراث المحمى ، لاتقل روعة بأن تحظي على لقب مدينة التراث العربي وسط قوائم مدن عربية الفسطاط المصرية وسوسة التونسية وصنعاء اليمنية واربد الاردنية.
حكاية اسم وحضارة …
غدامس واحة وسط النخيل الشامخ من المدن التاريخية القليلة التى حافظت على خصوصيتها والتى تعتبر من النماذج للمدن الاسلامية المستمدة من التراث الاسلامى كجزء من ذاكرة صامدة لم تنزع عنها المدنية الحديثة ثوبها الأصيل فى التمسك بحدودها المكانية ، أصل التسمية قداموس أي بلد الجلود باللغة الرومانية أو اغداميس اي مناخ الابل كما يسميها الطوارق تقع جنوب غرب ليبيا يحدها من جهة الشمال الحدود الليبية التونسية وغرباً الحدود الليبية الجزائرية ،كانت من أشهر المدن التجارية بين شمال وجنوب الصحراء الكبرى ولها علاقة تاريخية مزدهرة في التجارة مع مالي ، فقد عثر فيها على منحوتات ونقوش حجرية تدل على وجود حياة فيها منذ 10000سنة احتلها القرطاجنيون سنة 795ق.م ثم احتلها الرومان سنة 19 ق.م وافتتحها العرب بقيادة عقبة بن نافع سنة 42 هـ وما زال بها عدد من قبور الصحابة الفاتحين لها ويوجد بها أكثر من سبع جوامع رئيسية (العتيق – يونس – عمران الفقيه – تندرين – اولاد بليل – السنوسية – الظهرة .
غدامس مدينة محاطة بسور تتخلله عدة بوابات على دورين لكل دور وظيفة محددة الشوارع فيها ضيقة تستعمل للمشاة فقط بينما هناك ممرات خاصة على اسطح المنازل مفتوحة على بعضها وهى خاصة بالنساء و لاتنزل المرأة للشارع الا فى اوقات معينة من النهار غير ذلك ممرات الاسطح تسمح لهن بالتواصل بكل راحة بعيدا عن مخالطة الرجال ، ويعتبر البيت الغدامسي بشكله الفريد أحد النماذج التى عُمرت فى القرن الخامس عشر ، وصفها كثير من الجغرافيين والرحالة العرب فصاحب كتاب الاستبصار وصفها في القرن السادس الهجري بقوله ” مدينة غدامس” مدينة لطيفة قديمة أزلية، واليها ينسب الجلد الغدامسي وبها دوامس وكهوف كانت سجونا للملكة الكاهنة التي كانت بأفريقية ، وهذه الكهوف من بناء الأولين ، فيها غرائب من البناء تحت الأرض ما يحير الناظر إليها إذا تأملها ، تنبئ أنها ملوك سالفة وأمم دراسة ، وذكر ياقوت الحموى في كتابة معجم البلدان بأن في وسطها عينا أزلية والتى تسمى بعين الفرس وعليها أثر بنيان عجيب رومى يفيض الماء فيها ويقسمه أهل البلدة بأقساط معلومة لايقدر أحد يأخذ أكثر من حقه وعليها يزرعون ،
وتدل الآثار الموجودة بالواحة على تعاقب الحضارات على الموقع الحالي للمدينة فترة ما قبل التاريخ (الجرمنتي) مروراً بالعهد الروماني وحتى فترة العصور الوسطى عندما ضمت الواحة مثل بقية مدن شمال أفريقيا إلى الدولة الإسلامية في منتصف القرن السابع الميلادي وبعد وقوعها لفترة من الزمن ضمن نفوذ الدولة العثمانية مرت بها تجربة الاستعمار الأوروبي الحديث (الايطالي والفرنسي) الذى استمر حتى منتصف القرن العشرين .
ليبيا والسياحة المهملة …
كل تلك الميزات التى شهد عليها التاريخ عبر الحقب المتعاقبة للمدينة وللكثير من المدن الليبية لم تستفد ليبيا من قطاع السياحة فى توظيف تلك المناطق بالشكل المطلوب – فخلال الاربع عقود من النظام السابق السياحة شبهه معدومة بالرغم من انه كانت هناك امانة مستقلة بمعنى (وزارة) بفروع وميزانيات تحمل ارقام خيالية ولكن على ارض الواقع لم يكن لها دور فعلي بعمل دعايات وجلب انتباه السواح لتلك المناطق وبالتالى كان يمكن ان تدُر الملايين وتدعم الاقتصاد الليبيى المستهلك الذى لايعتمد الا على عائدات النفط ، الى جانب القضاء على نسبة بطالة مرتفعة وتشجيع القطاع الخاص للاستفادة وتقديم الخدمات السياحية ، فبعد فبراير أكُتشف المواطنين ان الكثير من الشركات السياحية هى ملك لأشخاص مقربين من النظام السابق – كالعادة هم فى اوائل المستفيدين من ثروات ليبيا المنهوبة اغلب ماكانت تقدم تلك الشركات خدمات اصدار تذاكر وحجز فنادق وموسم للعمرة ، الى جانب اهمال للآثار وضياع قطع قيمة تاريخيا وسرقة الكثير منه وتهريبه الى خارج ليبيا .
لهذا يرى العالم اليوم ليبيا على انها داعش وإرهاب والكثير من الاسلحة المترامية حتى اشعار بظهور دولة يتفق على رئاستها جميع الاطراف يكون همهم بناء الوطن ولاغير .
#تراثنا_هويتنا