المصور فتحي العريبي غادرنا وصوره فى الذاكرة

16832187_1160072270770620_819031634271377731_n

حكاية فى زوايا الثقافة وعدسة الابداع وتوقيع فوق صور من الذاكرة
ثمة من يمر فى طرقات هذه المدينة (بنغازى) ولايترك اثرا يذكر وثمة من يعيش فيها ويعشقها ويخلص لها حتى أخر يوم فى حياته ، الفنان المصور فتحى العريبي  لم يمر بين طرقات الشابي واخريبيش والمنارة والصابري مرور الكرام فقد كان فى وقته عنوان للإبداع اضاف بالصورة رف جديد انيق الى مكتبة الثقافة فى ليبيا.
فنان بين انامله والكاميرا قصة عشق من نوع مختلف ، فتحى العريبي ولد فى العام 1942 م فى بنغازى وترعرع فى بيت هادئ لم يخلو من كاميرا واسطوانات وراديو وكتب وكثيرا من الاستماع الراقي ، فى عمر الثمان سنوات فقد والده فكان فراقه بقعة حزن لم تغادره فكان قرار الاسرة الرحيل عن المدينة  لتبدأ حياته مرحلة جديدة بانتقالهم الى منطقة الجبل الاخضر مابين مدينة المرج المحطة الاولى ثم مدينة شحات الأثرية مرحلة من حياته اضافت له الكثير من الادراك والاستقلالية والاعتماد على النفس اشتد عوده فى وجه الحياة  لتعود الاسرة الى قلب مدينة بنغازى (شارع احويو) ولقاءه بشريكة الحياة  السيدة فوزية فتحى بوشويقير جارة المكان و رفيقة الحياة التى اقترن بها وهو فى عمر العشرين فقد ذكر ذات مرة رحمه الله انه لولاها ما استمر فى طريق الابداع وما كان فنانا فقد كانت له سندا وداعما فى مسيرته المزدانة بالنجاحات فلم يخجل يوما من ان يذكرها ويعدد محاسنها ويلقبها (ضئ الحوش) ، ومن اصعب المفارقات انها رحلت رحمها الله عن هذه الدنيا فقد لحقت به سريعا بعد عام من رحيله وكأن قلبها لم يحتمل فراقه بعد حياة دامت سنوات كلها حب ونجاح واحترام ودفء أسرة لايعوض.
كان مولعا بالرسم والعزف على العود الذى اتقن دندنته على يد الأستاذ مصطفى المستيرى ،   قدم للمكتبة الليبية آرث قيم فى فن التصوير وتجلياته وتقنياته ، وإتقانه فى التصوير الصحفى فقد عبر قائلا فى أحدى المقابلات التلفزيونية ( الصورة بشكل عام تؤرخ الحدث كل الصور منذ لحظة التقاطها تنسحب بسرعة الغالق الى فعل كان فتنتمي تلقائيا الى فعل ماضي).
مسيرة نصف قرن قدم فيها عديد المؤلفات هديل الحمامات البيضاء – الفضاء التشكيلي – مبدعات عربيات – السيدة فيروز – العين فى اغنية أم كلثوم ، وزخرت ارفف المكتبة المرئية بعشرات البرامج التوثيقية من كاميراته المتألقة ، كان رحمه الله له علاقات وطيدة بكثير من المبدعين العرب وعلى رأسهم الشاعر نزار قبانى .
عمل في مطلع شبابه مصورًا صحفيًا 1964 -1968 بصحيفة الحقيقة في بنغازي ومجلتي الإذاعة وليبيا الحديثة في مدينة طرابلس، ثم تحول إلى التصوير السينمائي للأفلام الإخبارية والتسجيلية بإدارة الإعلام والثقافة بوزارة الإعلام كمندوب لمجلة الجريدة المصورة في بنغازي. وحين افتتح التليفزيون الليبي في ديسمبر عام 1968، أسس به قسم التصوير السينمائي والمعامل الفنية وغرف التوليف فيما أُسندت إليه إدارة هذا القسم ،  كما أقام سلسلة من معارض التصوير الضوئي يزيد عددها عن ستين معرضًا فرديًا وجماعيًّا داخل ليبيا وخارجها : أثينا – روما – فاليتا – باريس – لندن لستر – دمشق – بغداد – الإسكندرية – القاهرة – تونس . وأقيم معرضه الأول في بنغازي ضمن فعاليات النشاط المتكامل بنادي النجمة عام 1965.
نظم عشرات المعارض الفنية وحاز على عديد من الجوائز والتقديرات على اعماله المتميزة داخل ليبيا وخارجها  ومنها جائزة على  أفضل إنتاج فوتوغرافي لعام 1986 من مجلة : ( فن التصوير ) في بيروت ، جائزة الذهبية عن محور الطفولة ، معرض نيسان الثاني للصورة العربية في بغداد عام 1990 ، جائزة الدولة الليبية التقديرية للفنون والآداب لسنة 1999 – لدوره الريادي في فن التصوير ، شهادة ودرع تكريم لدوره الصحفي الريادي ، من قبل الهيأة العامة للصحافة – 2010 وهو تكريم يحدث لأول مرة في تاريخ الصحافة الليبية ،  وفي مجال الكتب التي أعدها في السينما والتصوير الضوئي ، المتفرج الوحيد ( سينما + 95 صورة فوتوغرافية ) بنغازي عام 1975 منشورات مجلة : جيل ورسالة – الكشفية – الإصدار رقم 15 ، الدليل إلى فن الصورة والتشكيل – عام 1998 – لدار الجماهيرية ، تاريخ التصوير الصحفي في ساحات القتال – عام 1998 ، العين الثالثة ( أساليب ومناهج في التصوير الضوئي عند أشهر المصورين في العالم ) عام 2005 – مجلس الثقافة العام ، الدليل الميسر للتصوير بالكاميرا الرقمية – طرابلس عام 2010 المؤسسة العامة للثقافة .
كما له كتاب حول القضية الفلسطينية موجه للفتيان والفتيات – عنوانه البعد الثاني للقضية وفي مجال الإخراج التلفزيوني والإذاعة المسموعة كتب وصور وأخرج سلسلة من الأفلام السينمائية القصيرة ،  من بينها مجرد أحلام –  1971 ، حياتنا الجديدة – وثائقي  1970، أغاني الحياة – موسيقي 1973 ، كما كتب وصور العديد من المقالات والتحقيقات المصورة في المجلات البيت – المرايا – لا وكذلك في صحف : الفاتح – الزحف الأخضر – أخبار بنغازي – المؤتمر المجال ، كما نشرت له مقالات فنية وتشكيلية في صحيفة ( أخبار الأدب ) القاهرية ومجلة ( فن التصوير ) في بيروت وفي مجال التدريس التخصصي قام بتدريس مادة ( الإعداد الإذاعي والمرئي ) بجامعة قاريونس بكلية الآداب قسم الإعلام عام 1985 وكذلك تدريس مادة التصوير الضوئي بثانوية الفنون والإعلام في بنغازي عام 1997.
وتحصل العريبي على عضوية الروابط والنقابات والنوادي منها  رابطة الأدباء والكتاب الليبيين – بنغازي / الرابطة العامة للفنانين الليبيين – بنغازي / النقابة العامة للمصورين والرسامين والخطاطين – بنغازي / نقابة الصحفيين – بنغازي / نادي الكاميرا – لندن / الجمعية المالطية للتصوير – فالييتا / نادي فن التصوير – دمشق / الجمعية العراقية للتصوير – بغداد.
كما إن للفقيد مخطوطات غير المنشورة  هديل الحمامة البيضاء : دراسة أدبية وتشكيلية – فضاءات تشكيلية : قراءات في الفن التشكيلي – دولة النساء : مبدعات عربيات في الأدب والفن ( متاح ككتاب إلكتروني في مجلة كراسي ) – السيدة فيروز : لمحات من سيرتها الفنية ومختارات من أغانيها وصورها النادرة ( متاح أيضا ككتاب إلكتروني في مجلة كراسي ) – العين في أغنية السيدة أم كلثوم – كلمات الأغاني التي غنتها عن العين مع ذكر المؤلفين والملحنين لهذه الأغاني مرسم عش الحمامة في خريف العام 1990.
 فى العام 1995 م ترك نهائيا العمل الوظيفي الرسمي بالدولة ليتفرغ لتنظيم أرشيفه المصور الضخم والانصراف كليا لإعماله الفنية الخاصة التى لم يتوقف عن الابداع فيها ومواكبة لمسات الجمال الحديثة مركزا نشاطه علي التصوير الضوئي وتطويره والقيام بالتصميم الفني للملصقات وأغلفة الكتب وفنون الجرافيك من خلال الحاسب الآلي في مرسمه الذي يسميه منذ عام 1975 باسم : عش الحمامة.
مسيرة نصف قرن زاخرة ثرية بأرشيف من صور قيمة لمراحل مرت ولن تعود لمدينة عشقها ولوطن كان يسكن قلبه ترك معرض دائم فى منزله يحاكى فيه مراحل انتقال الصورة والتعدد فى استخدام الكاميرات التى كان شغوفا بمتابعه كل جديد فيها ، وافته المنيه فجر يوم الخميس الثانى من شهر ابريل 2014 آثر سكته قلبية مغادرا القيصر عش بيته تاركا عش الحمامة تفتقده كراسي وزوايا المعارض ولوحات ترك عليها توقيعه الدائم.